الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

اكتناز الطبيعة

 



أنا على علاقة جيدة بالطبيعة؛ نشأتُ بين مشاريع قصب السكر ووجوه العُمّال، أستيقظ وسط أحاديث العصافير والأغصان، أدندن ألحاني الصاخبة قبل أن أفرش أسناني بالأراك، تخبرني جدتي بأن صوتي يشبه القُمرية المزعجة التي تقطع قيلولتها كل يوم، أضحك وبتعجرف أخرج لساني وأجري لألحق بصديقاتي إلى المدرسة، عند شارع البقالة الجميل تستوقفني نبتة صغيرة بين حجرين، أتفحصها عن كثب، أحمل الحجرين بحقيبتي وأواصل خطواتي وببالي النشيد الذي لم أكمل حفظه والمسألة الرياضية التي حللتها حسب نظريتي متمردة على الضرب والقسمة، عند الطابور الصباحي أعتلي المسرح فقط لأكون على علوٍ يسمح لي برؤية شجرة اللالوب التي ببيت عم عثمان حارس المدرسة، فهيبة اللالوب تجعلني شجاعة وقادرة على تأليف الحِكم التي تكبر أعوامي،  ينتهي الطابور ويأتي معلم العلوم ليخبرنا بوفاة والد معلم الرياضيات وإنجاب معلمة اللغة العربية لطفلة جميلة لربما ستكون ضليعة في اللغة مثل والدتها وربما تشبهني وتعشق الطبيعة وحكمتها.

ينتهي اليوم الدراسي وأعود إلى جدتي بالحكايات والواجبات الدراسية التي لا أرى منطقية لاجاباتها، أشعر بالدغدغة كلما قرأت قصة الفأر الشجاع، كنت أبالغ في تحليل مواطن الشجاعة لفأرٍ ساذج لا يستطيع تفادي خطر المصيدة، لا لا، ليست مبالغة إنها الطبيعة التي تجعلنا سواسية ونتبع غرائزنا بين مدٍ وجزر.

ما زلت كما أنا أحاكي طفولتي وأجمع الحجارة، أختزن طاقتها، أُلونها وأُغلفها بحرص، أطلق عليها صفات أو أسماء حسب مزاجيتي، ما زلت أذكر النبتة  الصغيرة المحاصرة بالحجرين، أظنني أنقذت مصيرها، رأيتها بالأمس شامخة  لم يقتلعها أحد، فظلها عظيم وقربها دافئ، أما ثمارها مشاكسة تقع من الأعلى وتكاد تهشم رؤوس المارة، هكذا هي الطبيعة تعطي لتُعلم علينا ونتذكرها.

أنا سعيدة بطبيعتي الاكتنازية، ما زلت أصادق الأوراق اليابسة، والورود الجافة، ما زلت أحمل هم الشجيرات الصغيرة، أجمع الحجارة بألوانها وأحجامها المتباينة، ما زلت على طبيعتي أعشق الشوارع وأثر الخطى، أراقب الشروق وأكتب مثلما الآن _أمام غروب الطبيعة الساحر.


#نوادر_إبراهيم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق