الخميس، 29 يوليو 2021

سر المرايا _ ميلاد الروح


 


كنت امرأة لا تجيد قراءة قلبها، لا تهتم لخفقانها المضطرب، تهرول إلى غابات الشوك وتحتضن هجير أمسها، تدمي وتبكي سوادًا، تحاول أن تجمع قطع المرايا لترى انعكاسها الهش؛ كنت لا أقوى على فراق وسادتي، أبللها حد الارتواء، أتذوق ملح أعيني بنهم، كنت قلقة من كل شيء، أواري جسدي بالورق، أخاف ريح الصيف وكرم المطر، تهدهدني عيون الشمس إلى أن أنام على جذع ذكرياتي، كنت جوفاء يملأني السراب، أشاكس بعض أحزاني لأُراقصها على إيقاع نحيبي، أضمُ أشلاء التمني، أصنع مهادًا بنفسجيًا بعطر الغياب.

كنت امرأة شاحبة، تدغدغ خدودها ولا تبتسم، أضع أحمر الشفاه أحيانًا وكثيرًا ما تهزمني الأيام وترسم الرماد على شفتي، كنت يافعة بروحٍ عجوز،  أرغب بالرقص رغم خشونة حظي، أضحك ولا أسمع صدى أنفاسي، كنت وحيدة بلا رفقة، دوائي سقف واسع وورق أصفر يدس بوحي الثقيل، كنت بلا جدوى، بلا بصيص، بلا شعر، بلا سترة، أعشق الشتاء وألعن الظلال التي تذكرني بالأمل.


كنت امرأة لا تعرف طريقها، تحاكي الليل في طقوسه، تواسي المارة والشوارع، تحرق صدرها بالتأوه، تشتكي إلى فراغها وتنام؛ كنت أنتظر الربيع، الورد الأبيض، زنابق العسجد، والندى الخجول، كنت ممتلئة، ينقصني الهواء، ويشدني الضياع إلى حضيض اللا شيء.

كنت امرأة تعزف اللقاء، وتحكي تراجيديا الوجود، تنهل من صفح الوداع، وتكتب لغريبٍ يجهل ماهيتها، كنت عاشقة للغرباء، يعرفون الطريق إليَّ، يسألون عن اسمي وعمري ومقاس خصري، يسألون عن كل شيء عدا ما يسعدني.

كنت امرأة لا تعرف الحياة، تبحث عنك في وجوه الغائبين، تنتظرك عند نهاية حلمها، تطرز لك كل ألوانها، تنتظر الربيع لأجلك، تكتبك غريبًا، تعرف صوتك وشوقك، تتفحص ملامحك، تدرك نظرتك، ترتجف من لمس أنملك، تجاريني أنت وتحاصر لذّتي، تطبع على ثغري بدايتك، لينتهي بي الوله بين راحتيك، أولد من جديد، أخالط عبثيتي، بين الزوال والأبد -أغوص داخلك، أسلب حقي وأفرح.

كنت امرأة بارعة في محاكمة نفسها، لا تغفر هفواتها، تسلك الطرق المختصرة إلى الضفة الأخيرة، تضفر قيدها بحنكة، تثبت أقدامها على الجمر وتركض نحو النهايات، كنت ساذجة لا أُضحك كثيرًا لكنني أحدق في أعين اللصوص أحسبهم أطفالًا، أناولهم حلوتي والحليب.

كنت امرأة بخيلة، أحسب أنفاسي قبل القُبلة، أتلصص على وجه الغريب، أصفع توقعاته بتأنٍ ثم أشرد في عينيه مبتهلة، خاضعة لخوض تجربةٍ شبقة، تكتبني أنثى معطاءة، خلقت لأجل خافقك، تنشد صبابتها برقصة، وصوتك كالموج يسافر بي إلى عوالمنا الموازية.

كنت امرأة تكره كونها امرأة، بجسدٍ جبار، تقاوم تحرش الجوع بأطرافها، تقتل أنينها كلما اشتاقت، تحبس متعتها في لحظة، لحظة مقدسة بين وجهين في تأهب متسارع لالتقاط صورة.

كنت امرأة جائعة، تطرق أبوابك برقة، تسألك الدفء والنشوة، تلعن شمعها الأسود، تنير داخلك الرغبة، تفتنك بكلامها عنك، تربت عليك، تتكئ على كتفك، هائمة في روحك، تنادي عليك.



6.7.2021

#نوادر_إبراهيم